مقالات

أحمد سلامة التهامي.. يكتب “مراهق الأمس”

أحمد سلامة التهامي.. يكتب “مراهق الأمس”

أيسك.. كل رجال اليوم كانوا مراهقين بالأمس ، و كل أطفال اليوم هم مراهقوا الغد ، الكل يمر بتلك الفترة في مراحل حياته المختلفة ، و إن كانت مرحلة المراهفة هي المرحلة الفريدة ما بين الطفولة والشباب وهي التي يتم فيها البناء النفسي و السلوكي و المعرفي للإنسان .
الكل عبر تلك المرحلة بكل تجاربها و كل ما فيها من سلوكيات خطرة ومحاولات إثبات الوجود والغضب من الأسرة و المجتمع و رؤية العالم من منظوره الخاص ، و يكون سعيد الحظ من عبر تلك الفترة بسلام و بدون كوارث .و قد عرضت مؤخرا شبكة ” نتفليكس” مسلسل “إنجليزي قصير تحت اسم ” المراهق” عرض بشكل رائع تلك المرحلة ،و كعادة الدراما الإنجليزية فقد قدم المسلسل فكرة جديده حقق بها عنصرالسبق وهي فكرة الدوافع و الأسباب و الظروف المحيطة بالإنسان وما يمكن أن تؤدي إليه، حيث يتناول المسلسل جريمة تقع بين صفوف طلاب إحدى المدارس ، حيث يتم قتل إحدى التلميذات من قبل زميل لها .و يتميز هذا العمل هي عدم تناول أحداث الجريمة و تفصيلاتها بقدرما قدم مشاكل المراهقين أنفسهم و ما يتعرضون له هم و أسرهم و البيئة المحيطه لهم ، حيث يعرض المسلسل أنماط التفكير المختلفه و البعد النفسي و العاطفي للشخصيات المختلفه للعمل و هذا ما يحسب للمؤلف جاك ثرون ند كتابة هذا العمل .
حيث يبدأ المسلسل بإلقاء على “جيمي” البالغ من العمر 13 سنة بعد إقتحام منزلة لإرتكابه جريمة قتل وسط ذهول أسرتة التي تتعجب من إتهام طفلهم بالقتل وبعد إصطحابة لمركز الشرطة و بداية التحقيق إلى أن يتم عرض مقطع فيديو يظهر قيام “جيمي” بقتل الفتاة ، و بعدها يذهب محققان للمدرسة لإستكمال التحقيقات و يفاجؤا لواقع المراهقين القاسي والعنف الجسدي والتنمر اللفظي و الإهمال و التنمرالإلكتروني من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ، و هو ما أدى لوقوع تلك الجريمة .
و نعود بعدها إلى “جيمي” و الذي تم إحتجازه في مركز للعلاج النفسي والتي أظهرت المعاجة الخاصة به المشاكل النفسية المترسخه في نفسه و متعمقة الجذور ،كالهوس و مفهوم الذكورة و القوة لديه و شعورة بعدم الإحترام من قبل الغير و شعورة بالإحباط من رفض لجنس الآخر له ، وهو ما أدى به في النهاية لتلك الجريمة .
و ينتهي المسلسل بإستعراض أسرة “جيمي” و ما تتعرض له من مضايقات و إعتداء على ممتلاكاتهم و كراهية من مجتمعهم المحيط بسبب إبنهم ، بجانب إحساسهم بالتقصير إتجاه الإبن مما دفعه لتلك الجريمة.
على المستوى الفني نجح العمل بالخروج من الإطار التقليدي للجريمة و المجرم إلى إطار أسباب و دوافع الجريمة و أثرها على المجتمع ، و أظهرالمخرج الإنجليزي “فيليب بارانتيني” براعة فائقة في هذا العمل بإستخدام اللقطه الواحده المطوله في الحلقات الأربع للمسلسل ، حيث أن كل حلقة عباره عن لقطه واحده بطول الحلقة بدون حدوث ملل للمشاهد .
كما كان التركيز على الأداء التمثيلي من أبرز عناصر قوة العمل و بالتحديد “أوين كوبر” الذي أدى دور المراهق جيمي
و كيف نجح في جذب تعاطف المشاهدين في الحلقة الأولى بمظهر البراءة ثم كيف إنقلب هذا التعاطف في الحلقة الثالثة مع إظهار الغضب بعد معرفة حقيقة أنه الجاني ، ولا يمكن إغفال النجم “ستيفن جراهام” في دور الأب خصوصا مع إظهار مشاعره في الحلقة الرابعه و تساؤلاته هل أخطأ مع إبنه أم لا .
و على المستوى الإنساني فقد أثار عدة موضوعات شائكة و تساؤلات هامة حول التعامل مع المراهقين مثل الحماية الزائده لهم و ترك مساحة خاصة للمراهق ، حول الإغتراب داخل الأسره و المجتمع ، حول التهميش في المجتمع ،
و الأخطر دور ثقافة الانترنت و توحد الجيل الجديد مع الانترنت ، و تهميش دور الأسره و التواصل البشري .
و لعل قمة نجاح العمل كانت في تعميم مشاهدته على طلبة المدارس في المملكة المتحده مظهرا القيمة المجتمعية للفن ،
و ننتهي بسؤال واحد قد لا توجد له إجابه و هو كيف نكون آباء جيدين لأبناؤبنا ؟ و هل نفهمهم نحن أم نترك لهم فهمنا؟

أحمد سلامة التهامي.. يكتب "مراهق الأمس"
أحمد سلامة التهامي.. يكتب “مراهق الأمس”
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى