ابن خالة العريس في معرض الكتاب

ابن خالة العريس في معرض الكتاب
بقلم د. أمل درويش.
أيسك.. قد تشغلنا الحياة في دروبها وتختلط الأولويات؛ فلا يبقى لنا سوى المضي قدما حسبما تقتضي الأحوال، وقد ننشغل عن أمور تؤرقنا فتبقى عالقة في مهاد الذاكرة رغم ادعائنا بالتغافل وعدم الاهتمام، حتى تحين لحظة الصحوة الكبرى التي تتيح لنا فرصة الهروب، ولا نملك معها سوى الاستسلام.
هكذا كان المبدع سيادة العميد عماد سالم؛ فرغم كل المراوغات والمحاولات للفكاك من نداءات الورقة والقلم؛ إلا أنه في النهاية استسلم لطوفان الحروف وأصبح يلبي نداءاتها في الجمع والتدوين؛ رغم أنه لم يشغله ذلك من قبل، وكانت كل كتاباته حبيسة الأدراج المغلقة.
موهبة لو تُرك لها العنان في تباشير العمر لتفجرت أنهار الإبداع خلالها وأثمرت على جوانبها الأعمال التي اتسمت بالحكمة والوقار، بالإضافة إلى السلاسة والبساطة للنفاذ إلى روح القارئ دون عناء.
كانت معرفتي به في أولى تجاربه في قصيدة النثر وحكايتي مع الحمار.. هذا العمل البديع الذي حمل الكثير من الهموم رغم ظرافة العنوان الذي يبدو منه ميل الكاتب للطرفة والفكاهة، ولكنه اتسم بالسخرية والنقد اللاذع لعورات المجتمع في إطار من الوقار ومسحة من الحكمة والعظة.
وكان لي شرف مناقشة هذا الديوان، ومحاورة الكاتب المبدع فيه، وسعدت جدا حينما طلب مني كتابة مقدمة لهذا العمل الجديد وهو مجموعة قصصية لم تبتعد بعيدا عن روح الكاتب التي تتبنى الكثير من القيم الحميدة والفضائل السامية لتسود المجتمع، ويعيش الجميع فيه في رخاء وأمان.
ومع قراءتي لهذه المجموعة القصصية تابعت عيناي العناوين التي هي عتبة النص الأولى والتي تشي بما يخفيه العمل لتعد القارئ برحلة ممتعة داخل سراديب الروح البشرية وما تحمله من تناقضات، والصراعات الدائرة بين الخير والشر، حتى في داخل النفس الواحدة.
تنوعت العناوين المؤثرة والمعبرة ما بين المعرف والنكرة، لتحمل مضامين متنوعة ما بين التخصيص والتعميم، ليبين لنا الكاتب الخصال الطيبة والصفات السيئة التي ربما تخص أحدا بعينه كأحد أبطال العمل أو مثالب عامة تسود في المجتمع وتستشري فيه.
هكذا يضع الكاتب يده على مواطن الضعف والخلل في المجتمع ليحاول أن يلقي حجرا في مياه المجتمع الراكدة ربما انتبه لها أحد وحاول كل واحد أن يبدأ بنفسه ويصحح مساره ويقوّم سلوكياته.
بدأ الكاتب بقصة طلقة التي تحدث فيها عن علاقة المجندين أحمد وبيشوي وارتباطهما الشديد وعلاقة الصداقة القوية التي ربطتهما حتى نهاية العمر واستشهادهما المأساوي ثم وصيتهما التي أصبحت قابلة للتنفيذ بعد استشهادهما، وإنما هي علاقة تنم عن مدى ترابط أبناء الشعب المصري رغم اختلاف الديانات مما يجعل أي محاولات للتفرقة بينهم مآلها الفشل والهزيمة.
تأثر الكاتب بالحياة العسكرية التي قضى فيها حقبة طويلة فباتت تشكل جزءًا لا يتجزأ من ذاكرته وخبراته الاجتماعية مما انعكس على تجربته الإبداعية؛ فكان وصفه للأحداث وترتيبها وصفا دقيقا لا يقبل الخطأ، كما تكررت هذه التجربة في قصة الكرسي.
نتابع من خلال كلماته وسرده المتقن العديد من القصص فها هي طاحونة الحياة التي تبتلع كل الأحداث والحكايات فتنتهي وتختفي كأنها لم تكن، وتحلق العصفورة لتقرأ في عيون البشر معاناتهم ويأسهم وبعض الأمل المرسوم في طرفها.
وقصة علمتني صنعتي التي لخص فيها الكاتب قيمة العمل وأثره في صقل تجربة الإنسان ومساعدته على فهم الحياة والبشر من حوله.. وغيرها من القصص المعبرة.
وكعادة الكاتب لا ينتهي العمل دون العودة إلى الطرفة والفكاهة كما في قصة ابن خالة العريس.
استطاع الكاتب أن يقدم لنا عدة تجارب متنوعة عبر فيها عن شخصيات مختلفة كانت أبطال قصصه، حاولت فيها التعبير عن نفسها، فكانت كل قصة تحيك حدثا محددا يبدأ وينتهي بسلاسة وبساطة ليحلل إحدى المشكلات التي تصيب المجتمع.
حافظ الكاتب على وحدة العضوية من حيث الحدث والصراع رغم قلة الحوارات التي ربما تفتح مسارات جديدة للتأويل قد تؤدي إلى تشعب الحدث، وتزعزع فكرة التكثيف التي اختارها الكاتب ليمنح القارئ جرعات مكثفة من الحكمة المختلطة بجمال المعاني والتعبيرات.
كل التوفيق والأمنيات الطيبة أهديها للكاتب المتألق سيادة العميد عماد سالم..
ننتظر منكم المزيد من الأعمال الواعية الهادفة.
