الفعل دليل غالي
الفعل دليل غالي
بقلمي نرمين بهنسي
أيسك.. في عالم تتكدّس فيه العبارات المنمقة وتُسكب فيه الكلمات كما لو أنها ترياق لكل العلاقات، يظل هناك مشهد واحد لا تفقده العين بريقه: أن ترى شخصًا يبذل جهدًا حقيقيًا من أجلك. لا يكتفي بأن يقول “أنا هنا”، بل يُثبت وجوده بخطوة، بموقف، بلحظة حضور حقيقية وسط زحام الغياب المتنكر في رسائل سريعة وردود جاهزة.
إننا نعيش في زمن بات فيه الاختباء خلف الكلمات أسهل من أن نواجه الحقيقة بالفعل. أصبح كثيرون يفضّلون أن يُلقوا علينا جملًا مطمئنة بدلًا من أن يصنعوا فرقًا حقيقيًا في تفاصيلنا اليومية. ولكن يظل هناك من يفعل، من يقرر أن يتحرّك لأجلك، أن يُرهق نفسه ليصنع في يومك فرقًا صغيرًا.
هذا النوع من الناس لا يملأ الدنيا وعودًا، بل يكتفي بفعل صامت يشبه اليقين. هؤلاء لا يتحدثون كثيرًا عن الوفاء، ولكنهم يمارسونه. لا يكررون عبارات الدعم، ولكنهم حاضرون حين نحتاجهم فعلًا. وهنا تكمن الجاذبية الحقيقية: في من يرى أن المحبة التزام، وأن المجهود هو اللغة التي لا تحتاج إلى ترجمة.
في كل مرة نشعر فيها بالتقدير من شخص اختار أن يبذل جهدًا لأجلنا، علينا أن نتذكّر أن ذلك لم يكن واجبًا، بل كان تعبيرًا صادقًا عن قيمة نادرة: الإخلاص. وحين نجد هذه القيمة، لا يجب أن نفرّط فيها.
لأن الكلمات قد تُقال للجميع، لكن الفعل لا يُبذل إلا لمن يستحق.





