تمكين المرأة: مفتاح التنمية المستدامة بقلمي نرمين بهنسي

تمكين المرأة: مفتاح التنمية المستدامة
بقلمي نرمين بهنسي
آيسك.. تعد قضية تمكين المرأة من أبرز الموضوعات التي تشغل المجتمعات والدول في العصر الحديث، لما لها من تأثير عميق في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالمرأة ليست فقط نصف المجتمع، بل هي نصف طاقته الإنتاجية، وبدون تمكينها يظل المجتمع ناقصًا، غير قادر على تحقيق تطلعاته المستقبلية.
تمر عملية تنمية المرأة بعدة محاور رئيسية تبدأ من التعليم، مرورًا بالصحة، وحق المشاركة الاقتصادية والسياسية، وانتهاءً بالقضاء على كافة أشكال التمييز والعنف التي تواجهها. ولأن المرأة تلعب دورًا محوريًا في بناء الأسرة والمجتمع، فإن دعمها وتمكينها يشكلان حجر الأساس لأي استراتيجية تنموية ناجحة.
التعليم: الأساس المتين لتنمية المرأة
يعد التعليم أول وأهم خطوة في تنمية المرأة. فقد أثبتت التجارب أن الفتيات المتعلمات يتمتعن بفرص أفضل في الحصول على وظائف مستقرة، ويصبحن أكثر قدرة على اتخاذ قرارات صحية وتنموية لنفسهن ولأسرهن. كما أن التعليم يعزز من وعي المرأة بحقوقها ويساعدها على المساهمة الفعالة في المجتمع.
على الرغم من تقدم كثير من الدول في مجال تعليم البنات، إلا أن التحديات ما تزال قائمة في بعض المناطق، خاصة في القرى والمناطق النائية، حيث يواجه الأطفال وخاصة الفتيات صعوبات اقتصادية واجتماعية تحول دون انتظامهم في المدارس. ولهذا فإن دعم برامج تعليم الفتيات وتحسين جودة التعليم وضمان استمراريته ضرورة لا غنى عنها.
الصحة: ركيزة أساسية للحياة الكريمة
الصحة الجيدة للمرأة تعني حياة أفضل لها ولأسرتها. تنمية المرأة تشمل أيضًا ضمان حصولها على خدمات صحية شاملة، من رعاية ما قبل الولادة والولادة إلى خدمات الصحة الإنجابية والتغذية. فالمرأة السليمة صحياً أكثر قدرة على العمل والإنتاج والمشاركة المجتمعية.
علاوة على ذلك، لا بد من توفير بيئة آمنة وصحية للمرأة، بعيدًا عن العنف الجسدي والنفسي، إذ إن هذا العنف يشكل عائقًا كبيرًا أمام التنمية. العمل على نشر التوعية حول حقوق المرأة في الصحة والسلامة يمثل خطوة مهمة في هذا المجال.
المشاركة الاقتصادية والسياسية: تمكين في الممارسة
التنمية الحقيقية للمرأة تظهر عندما تتمكن من المشاركة الفاعلة في الاقتصاد والسياسة. فمن خلال فرص العمل المتكافئة والتمثيل السياسي العادل، تستطيع المرأة أن تؤثر في القرارات التي تمس حياتها وحياة مجتمعها.
في الجانب الاقتصادي، تعاني النساء من تحديات عديدة مثل فجوة الأجور، والتمييز في فرص العمل، وقلة الدعم لريادة الأعمال النسائية. لذا من المهم أن تضع الحكومات سياسات تحفز تشغيل المرأة، وتدعم المشروعات الصغيرة التي تديرها نساء، مع ضمان بيئة عمل آمنة ومحترمة.
أما على الصعيد السياسي، فزيادة تمثيل النساء في البرلمانات والمجالس المحلية يمنحهن القدرة على صياغة قوانين وسياسات تراعي احتياجاتهن وتعزز حقوقهن. كما أن مشاركة المرأة في صنع القرار تسهم في تعزيز الديمقراطية وتطوير المجتمعات.
القضاء على التمييز والعنف: حماية وتمكين
لا يمكن الحديث عن تنمية المرأة دون معالجة قضايا التمييز والعنف التي تتعرض لها في العديد من المجتمعات. فالتمييز في العمل، والتعليم، والميراث، وغيرها من المجالات، يجعل من الصعب عليها تحقيق طموحاتها.
أما العنف ضد المرأة، سواء كان جسديًا أو نفسيًا أو اقتصاديًا، فيُعتبر أكبر عقبة أمام تمكينها. ولذلك، فإن سن قوانين صارمة لمكافحة العنف ضد المرأة، وتفعيلها بحزم، إلى جانب نشر الوعي وتغيير السلوكيات الاجتماعية، هي خطوات أساسية يجب أن تتخذها الدول والمجتمعات.
دور الأسرة والمجتمع في تنمية المرأة
لا يقتصر دور تمكين المرأة على السياسات الحكومية فقط، بل يمتد إلى الأسرة والمجتمع بأكمله. الأسرة هي البيئة الأولى التي تتعلم فيها الفتاة قيمها وطموحاتها، لذا يجب أن تعزز القيم التي تدعم احترام المرأة وتشجع على تعليمها ومشاركتها في الحياة.
كما يلعب المجتمع دورًا حيويًا في تغيير النظرة النمطية للمرأة، والابتعاد عن القوالب التقليدية التي تحد من دورها. الإعلام والمؤسسات التعليمية والمنظمات المدنية يمكن أن تكون أدوات فعالة لنشر ثقافة التمكين والمساواة.
تنمية المرأة ليست خيارًا بل ضرورة، فهي أساس التنمية المستدامة التي تضمن بناء مجتمعات عادلة ومتقدمة. من خلال التعليم الجيد، والصحة المتكاملة، والمشاركة الاقتصادية والسياسية، والقضاء على التمييز والعنف، يمكن للمرأة أن تحقق إمكاناتها كاملة، وبالتالي يزدهر المجتمع بأسره.
إن الاستثمار في المرأة هو استثمار في المستقبل، ومفتاح لتحقيق الأهداف التنموية التي تسعى إليها الدول. لذلك، يجب أن تتضافر الجهود من جميع القطاعات الحكومية والأهلية لضمان بيئة حاضنة تمكن المرأة من الإبداع والعطاء والمشاركة الكاملة في بناء الحضارة الإنسانية.