عظمة النص و عظمة الإخراج

عظمة النص و عظمة الإخراج
أحمد سلامة التهامي
أيسك.. يونيو 1986 مكسيكو سيتي ، يتلاعب ديجو مارادونا بدفاعت الفريق الانجليزي محرزا هدف القرن ، و محرزا هدف في مرمى الإحتلال الإنجليزي لجزر فوكلاند الإنجليزية .
يونيو 1986 القاهرة ، العرض الأول لفيلم ” ملف في الآداب” حيث التقاء المبدعان المؤلف وحيد حامد و المخرج عاطف الطيب ، و يواصل الطيب إحراز أهداف سينمائية في مرمى السلطه والمجتمع .
و يضعنا هذا الفيلم في حيرة و أمام تساؤل هام قليلا ما نجده في السينما المصريه و هو لعمل فيلم جيد ماذا يلزمنا ؟ نص جيد أم إخراج جيد؟ . الحصول على كلاهما معا أمر لا يتكرر كثيرا ، لذلك لانرى أفلام رائعه معظم الأوقات .و الغريب أننا و قفنا أمام هذا السؤال مع نفس الثنائي مرتين أخريين في فيلمي “البرئ ، التخشيبة” .
و كعادة عاطف الطيب في أفلامه أن يتطرق إلى ما بعد “الإنفتاح” و الأثر السلبي الذي أحل بمصر وأدى إلى التفاوت الطبقي في المجتمع المصري ، و تقدم الطبقات المهنيه و الحرفيه على المثقفين و المتعلمين ، و انتشار الفساد و ما يسمى “الفهلوة” على حساب مبادئ الشرف و قيم العمل ، الأمر الذي أدى لتدمير القيم الإجتماعية للشعب المصري ، وأدى أيضا لإنتشار الفقر ، الأمر الذي جاهد مثقفوا المرحلة في إبرازه و التحذير منه لخطورة تلك الآثار على الوطن و المواطن .
و نرى بالمشهد الإفتتاحي للفيلم حيث الضابط سعيد “صلاح السعدني ” و الذي يقوم باقتحام بيت للدعارة و القبض على القواده التي تدير المنزل ، و التي يتضح للضابط بعد القبض عليها أن لها سيدة ذات نفوذ ، و يطلب منه مسئول كبير الإفراج عنها حرصا على مستقبلة الوظيفي ، و عندما يرفض يقوم رئيسه بحفظ القضيه ، الأمر الذي حول الضابط من مطبق للعداله إلى محطما لها حرصا على وظيفته .
و مع نهاية هذا المشهد تظهر “تيترات” الفيلم حيث نرى الضابط و هو سائرا في الشارع كأنه لازال تائها يبحث عن كبرياؤه الذي ذهب مع الإفراج عن القواده .
بعدها نتعرض للشخصيات الأساسيه للعمل ، وهم الزملاء في العمل ، رشاد “فريد شوقي” و كمال “أحمد بدير” و الثلاث فتيات مديحة “مديحه كامل” المطلقه التي تعيش بالمقابر و رجاء “سلوى عثمان” زميلتها و عايدة سكرتيرة طبيب في عيادة بنفس مبنى عمل مديحه و رجاء ، و الثلاث فتيات يعانين الفقر و شظف الحياة و معاناة الفقر و حتى المعاناة في ركوب وسائل الإنتقال ، و الثلاث يقضين فترة ما بين الدوام الصباحي و المسائي في دور السينما او المطاعم أو التسكع في الشارع ، لصعوبة الذهاب و العوده لمنازلهن .
و يرغب كمال الذي تقدم به العمر من الزواج بزميلته مديحه ، و يساعده على إتمام الزواج زميلهم رشاد و الذي يقترح أن يقوم كمال بدعوتهم على الغداء في شقته القريبه من العمل ، من أجل إغراء مديحه بالزواج منه حتى تتخلص من معاناتها اليومية في الذهاب للعمل ،
و في ذات الوقت يقوم القواد نونو “وحيد سيف” والذي يعمل مرشدا للشرطه بإبلاغ الضابط أن مديحه و صديقاتها فتيات ليل و ذلك لإبعاد الشبهات عنه ، لتبدأ مراقبة الشرطه لمجموعة الزملاء و يعلموا بأمر دعوة الغداء ، ليتم القبض عليهم أثناء تناول الطعام .
و نرى أثر التغير في شخصية الضابط و الذي يقوم بتلفيق الأدله من أجل إتمام القضية ،و الزج بأبرياء بلا دليل حقيقي و الإتصال بالصحافه لعرض القضية بالصحف و ذلك لتعويض ما حدث له بأول الفيلم و تحقيق مجد شخصي .
لنذهب إلى مشهد الختام المطول و هو مشهد المحاكمة ، حيث يتناقش الضابط و المحامي “علي الغندور” في أدلة الإتهام ليؤكد للقاضي خلال المناقشه أن القضية ملفقه ، و يقوم المتهمون بالتحدث للقاضي عارضين له الحقيقه وعارضون ما أصابهم ،و يحصل الجميع على البراءة ، لكنها براءة متأخرة بعد أن تلتخطت سمعتهم بالعار أمام عائلاتهم و أمام مجتمعهم ، لنرى بعهدها المشهد الأخير حيث نرى الضابط وحيدا مهزوما في قاعة المحكمة ،
في إشارة لأمل أن تهزم العدالة قوة و بطش السلطة .
ناقش المؤلف و المخرج القضية الأزليه بين المواطن و السلطه الحاكمه ، وهل جهاز الأمن تحول لجهاز بطش و تنكيل بالمواطن ،أم جهاز لحماية الوطن و المواطن .

نجح عاطف الطيب الذي يعد رائدا للواقعيه المصريه في التعبير عن هموم المواطن المصري و خاصة المهمشين منهم مما أضيروا من سياسات الانفتاح و نجح في التعبير عنهم بجدارة ،
نجح في التنقل عبر الشوارع و البيوت و المباني من إظهار الواقع المصري بتلك الفتره ،
تمكن من إخراج أفضل أداء ممكن من الممثلين و خصوصا في مشهد المحاكمة .
لنعود لنفس التساؤل الذي بدأنا به هل نص وحيد حامد أم إخراج عاطف الطيب سبب هذا العمل المتميز ، ام تعاونهما معا كان هو السبب ، فقد أبدع وحيد حامد بعدها مع الكثير من المخرجين لكنها ليست كأفلامه مع عاطف الطيب ،الذي لو امتدت الحياة بعاطف الطيب لسنوات أخرى ، لنافس الإيطالي جوزيبي تورناتوري على لقب أفضل مخرج خارج هوليوود .