التحديات المائية في مصر.. بين الحاجة والصمود
بقلم / سماح علام
الماء حياة، لكنه في مصر بدأ يتحول شيئاً فشيئاً إلى تحدٍ وجودي. بلد النيل الذي قامت حضارته منذ آلاف السنين على ضفاف النهر، يواجه اليوم واقعاً مائياً معقداً ، يضع مستقبل التنمية والبشر أمام معادلة صعبة “كيف نحافظ على قطرة الماء وسط ندرة متزايدة وضغوط لا تهدأ؟”
معضلة ندرة المياه
تبلغ حصة مصر السنوية من نهر النيل نحو 55.5 مليار متر مكعب، وهي كمية تكاد لا تكفي احتياجات أكثر من 110 ملايين نسمة. ومع النمو السكاني المتسارع ، اصبح نصيب الفرد من المياه يتراجع إلى ما دون خط الفقر المائي العالمي (1000 متر مكعب للفرد سنويًا). هذا العجز يتفاقم بالتزامن مع عوامل اخرى ، أبرزها:
التغير المناخي الذي يقلل معدلات الأمطار ويزيد من درجات الحرارة.
التوسع الزراعي والصناعي الذي يستهلك كميات ضخمة من المياه.
التحديات الإقليمية مثل مشروع سد النهضة الإثيوبي، وما يثيره من مخاوف بشأن تقليص حصة مصر.
الواقع الداخلي
لا تتوقف الأزمة عند حدود النيل، بل تتعمق داخل المجتمع المصري عبر بعض السلوكيات التي تساهم في توسعها ، أهمها :
الهدر المائي في الري بالغمر التقليدي، ما يؤدي إلى فقدان مليارات الأمتار المكعبة.
تلوث مصادر المياه نتيجة الصرف الصناعي والزراعي غير المعالج.
ضعف الوعي المجتمعي بأهمية ترشيد الاستهلاك وإعادة الاستخدام.
حلول على الطريق
بالرغم من قتامة الصورة، إلا أن مصر بدأت تخطو خطوات جادة لمواجهة هذه التحديات ، فقد بدأت الدولة بالتوسع في مشروعات تحلية مياه البحر، خاصة في الساحل الشمالي وسيناء ، تطوير محطات المعالجة الثلاثية لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والصحي ،عمل مشروعات تبطين الترع وتحديث نظم الري لتقليل الفاقد ، شق ترع عملاقة في الصحراء الغربية ،بالإضافة لحملات توعية مجتمعية لترسيخ ثقافة الحفاظ على المياه.
بين الخوف والأمل
أزمة المياه في مصر ليست مجرد مشكلة عابرة ، بل هي قضية أمن قومي ترتبط بحياة كل مواطن ومستقبل كل جيل. وإذا كان التحدي كبيراً ، فإن تاريخ هذا الشعب يؤكد أن الإرادة قادرة على تحويل الأزمة إلى فرصة، شريطة أن تتكامل جهود الجهات المعنية ومؤسسات الدولة مع وعي الناس، وأن يُنظر إلى الماء على أنه قيمة وجودية تستحق أن نصونها ونحميها.
