الـقـوة الـروحـيـة

الـقـوة الـروحـيـة
أحمد سلامة التهامي
أيسك.. ودع العالم البابا فرنسيس عن 88 عام بعد أن قضى 12 عام على العرش البابوي رئيسا للكنيسة الكاثوليكية ، و الزعيم الروحي لقرابة المليار و نصف كاثوليكي حول العالم ، ولا يمكن إغفال أهمية الكنيسة الكاثوليكية من خلال تاريخها الطويل مصدرًا رئيسيًا للخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الطبية والتعليم؛ واحد أهم رعاة الفن الغربي والثقافة والفلسفة، و الدفاع عن المضطهدين و الأقليات في العالم ،ولا يمكن إغفال الدورالمؤثرالتي قامت به في السياسة عبرالتاريخ منذ تأسيسها على يد القديس بطرس أحد تلاميذ المسيح .

و بوفاة البابا تعود التساؤلات المتكرره مع إنتخاب البابا الجديد حول التحديات المعاصرة التي تواجها الكنيسة و على التحديد مشكلة فقد الإيمان بجانب الإنحلال الخلقي الذي أصاب الغرب الحديث، بجانب المشاكل المزمنه كرعاية المشردين و ضحايا الحروب و الأوبئة.
و تتم عملية إختيار البابا الجديد من خلال طقوس قديمة و تعود إلى عدة قرون ، حيث يجتمع 135 كاردينال و يتم عزلهم عن العالم الخارجي لتحديد من هو الزعيم الروحي القادم للكاثوليك عن طريق التصويت السري ، حيث ينتظر كل الرعايا الكاثوليك حول العالم صعود الدخان الأبيض في إشارة لنجاح إختيار بابا الفاتيكان الجديد،فيما يطلق علية حسب الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (conclave) أي اجتماع الكرادلة لانتخاب البابا .
و لعل من المصادفات هو عرض فيلم تحت هذا الإسم حاليا في دور العرض للمخرج الألماني إدوارد بيرجر و بطولة النجم الإنجليزي رالف فاينس و الممثل المكسيكي كارلوس دييز ، بجانب النجم الإيطالي سيرجيو كاستيليتو .
حيث تبدأ أحداث الفيلم بوفاة البابا و يكون على رئيس مجمع الكرادلة الكاردينال لورانس ” رالف فينس” ترأس المجمع المغلق conclave لإنتخاب البابا القادم .حيث يتوجب عليه إدارة الصراعات بين الطامحين للمنصب من الكرادله ما بين المحافظ و المتشدد و المنفتح ، كما يجب عليه أيضا إدارة التنافس الغير شريف أيضا من بعضهم في سبيل التخلص من بعضهم البعض في السباق نحو المنصب ، و بتساقط المرشحين تزداد حظوظ لورانس في خلافة البابا حتى يقع تفجير إنتحاري بالقرب من مقر المجمع و يسفر عن ضحايا ، ويدعو الكاردينال تيديسكو المتشدد ” سيرجيو كاستيلىتو “إلى حرب ضد المسلمين ، بينما يرى الكاردينال بينيتيز” كارلوس دييز” إن العنف لا ينبغي أن يُقابل بالعنف وأن يبتعدوا عن الكراهية و العنف . وتنتخب الكلية بأغلبية ساحقة بينيتيز في الاقتراع السابع، ويختار الإسم الباباوي “البرئ” ، و بعد تحمس لورانس لفوز التيار المتسامح بديلا عن المتشدد يفاجئ بأن بينيتيز يعاني من مشكلة جسدية تتعلق بهويتة الجنسية و يواجه حول تلك المشكلة و يعرف أن بينيتيز يفضل أن يحيا كما خلقة الله فهو الأنسب له ، لتنتهي أحداث الفيلم بلورانس في غرفته و يرى من النافذه الراهبات و سماع أصوات الحشود .يبين الفيلم من وجه نظر صانعيه الصراعات القائمة بين التيارات المختلفه داخل الكنيسة ما بين محافظ و منفتح و متطرف، بل و الصراعات الشخصية داخل التيار الواحد، بل و أحيانا الحرب الغير شريفه للتخلص من الخصوم .
يبين أيضا الصراع ما بين الكراهية و التسامح مع الآخر ، سوى أن ان كان الخلاف ديني أو في النوع ، و ضرورة تقبل الآخر أيا من كان .و يشير إلى أنه لابد من كسر التابوهات القديمة و ضرورة التطور و مواكبة العصر.
كما نجح أيضا صناع الفيلم في إستخدام الرمز في كسر الشمع الأحمر على غرفة الباب في إشارة إلى ضرورة كسر التقاليد في سبيل معرفة الحقيقة ،و خلع خاتم البابا المتوفي بصعوبة كدلالة على صعوبة إختيار بابا جديد .مما جعل الفيلم يحصل على ثمانية ترشيحات لجوائز الأوسكار هذا العام، و تمكن من الحصول على جائزة أفضل سيناريو مقتبس،كما فاز بأربعة جوائز بافتا هي أفضل فيلم، وأفضل فيلم بريطاني، وأفضل سيناريو مقتبس، وأفضل مونتاج، بالإضافة إلى جائزة أفضل سيناريو من الجولدن جلوب ،و هذا يدل على قوة النص بالرغم من الانتقادات الحاده التي وجهت من قبل الكاثوليك خاصة لنهاية الفيلم ، فضلاً عن تصوير الفيلم للأيديولوجيات المختلفة للكرادلة، وخاصة التمجيد الواضح للشخصيات التي تتبنى وجهات نظر تتعارض مع تعاليم الكنيسة .
و في النهاية نحن أمام عمل درامي يوضح وجود الصراعات حتى في وسط رجال الدين و إستخدامهم كل السبل من أجل الفوزبمنصب فهم بشر أولا و أخيرا حتى و إن كان منالهم هو الحصول على القوة الروحية .






