سماح علام تكتب.. الطلاق
الطلاق
بقلم / سماح علام
منذ فترة ليست بالقصيرة، ونحن نلاحظ أن الطلاق أصبح أمراً سهلاً ومنتشراً ، ولم يعد يحمل تلك الهيبة أو “الرهبة” التي كانت تُحيط به قديمًا. كنتُ من بين الذين يسمعون هذا الواقع وأنا طفلة، وأذكر أنني لم أسمع عن الطلاق إلا مراتٍ قليلة، وكان حين يُذكر كحلٍّ لخلافٍ بين زوجين، ترتسم على وجوه الكبار ملامح الذهول، وكأن كارثة كونية على وشك الحدوث.
لكن حين وقعت حالة طلاق في محيطي القريب جدًا، وجدت نفسي أمام مرآة تُعيد إليَّ كل تلك الأفكار التي كانت تراودني كلما طُرح موضوع الطلاق وسهولته. وكان أول سؤال فرض نفسه بقوة..
كيف وصلنا إلى أن يصبح الطلاق أمرًا يسيرًا إلى هذا الحد؟
هل هو الإنسان الذي ما إن تملك شيئًا يتهاون في الحفاظ عليه، ولا يشعر بقيمته إلا بعد أن يفقده؟
أم أنها حالة من اللامبالاة تسللت إلى النفوس، نتيجة ترويجٍ مستمر لفكرة “الحرية الفردية” في مواجهة أي قيد عاطفي أو أسري؟
ربما هي حملات إعلامية كرّست هذا المفهوم حتى أصبحنا نرى من يحتفلون بانفصالهم، وكأنهم أنجزوا نصراً شخصياً .
هل أصبحت الأسرة في مجتمعاتنا هشّة ومفككة إلى هذا الحد ، حتى فقد من يمسكون بزمامها الإحساس بالمسؤولية والقدرة على الصبر والاحتواء؟
أريد أن أقول، ومن دون كثير من الفلسفة أو البحث الممل في الأسباب ، إن ما يحدث اليوم ليس مجرد تغيير اجتماعي عابر، بل تبدّل في القيم والمفاهيم . الطلاق لم يعد نهاية مؤلمة لحكاية ، بل أصبح في أذهان البعض مجرّد خطوة عادية تُتخذ ببرود تام.
لكن الحقيقة أن كل طلاقٍ هو زلزال صغير يهزّ أركان المجتمع ، حتى وإن بدا بسيطاً أو نتج عن تفاهم ، إنه لحظة انهيار، لا بين شخصين فحسب، بل بين فكرتين ، فكرة الرباط المقدس ، وفكرة السهولة في الإنسحاب ،
ولعل ما نحتاج إليه اليوم ليس أن نحارب فكرة الطلاق بحد ذاتها، فهو في النهاية حلٌّ مشروع، بل أن نعيد بناء مفهوم الزواج نفسه . كأن نُذكّر المقبلين عليه بأن الارتباط مسؤولية مشتركة ، وأن الحب ليس عاطفة فقط ، بل قرار ووعي
ونعلم أبناءنا أن “التمسك” لا يعني ضعفاً ، وأن “الإصلاح” لا يعني خضوعاً ، بل يعني إيماناً بأن بعض العلاقات تستحق الجهد، وأن ما يُبنى على المحبة واحترام حقوق الغير لا يُهدم بسهولة .




