عندما غابت الديمقراطية حضرت الصين

عندما غابت الديمقراطية،،، حضرت الصين
بقلم/ أحلام القبيلي
بحثتُ كثيراً في سرّ النهضة الصينية، فما وجدت سبباً أقوى ولا أوضح من غياب الديمقراطية وحكم الحزب الواحد.
هناك، الناس مشغولون ببناء بلدهم، لا تلهيهم صراعات الأحزاب ولا يبدّدون أعمارهم في مطاردة المناصب. الحزب واحد، والهدف واحد، والنتيجة: نهضة كبرى أبهرت العالم.
وعندما نلتفت إلى بلداننا العربية، نرى الصورة المقلوبة تماماً؛
عندنا ألف حزب وألف شعار، والنتيجة: ألف خراب ولا دولة.
لا نعرف من الديمقراطية سوى التقاتل على الكراسي، والتحالف مع الشيطان للوصول إلى الحكم، حتى صار الكرسي أثمن من الوطن، وصوت الناخب أغلى من دم المواطن.
وليس هذا رأياً عابراً أو انفعالاً عاطفياً، بل هو ما قاله كبار الفلاسفة من العرب والعجم.
فأفلاطون في “الجمهورية” رفض الديمقراطية لأنها تسلّم الحكم للغوغاء وتترك القرار لمن لا علم له ولا حكمة، فيتحول المشهد إلى “سوق هرج” سياسي.
وأرسطو اعتبرها انحرافاً عن الحكم القويم، كأنها مرض يُصيب الدولة فيقضي على عدالتها.
أما الفارابي، فقد رسم صورة “المدينة الفاضلة” ولم يجد مكاناً فيها للديمقراطية، بل وضع القيادة في يد “الرئيس الفيلسوف”، لأن ترك الناس يحكمون أهواءهم يفضي إلى كارثة أخلاقية وسياسية. .
وابن خلدون كذلك، لم يتحدث عن ديمقراطية ولا غيرها، بل نبّه إلى أن التنازع على السلطة سبب خراب العمران، ولو تلحف بعباءة الديمقراطية وزيّن نفسه بشعارات الحرية.
الفلاسفة كانوا يرون ما نعيشه اليوم بأمّ أعينهم:
الديمقراطية لا تُصلح الناس، بل تُشعل فيهم نار التنافس على الكراسي.
وحين يصبح الكرسي أغلى من الوطن، تُباع المبادئ في المزاد، وتُشترى الأصوات بثمن بخس، ويصبح التحالف مع الشيطان أهون من خسارة الانتخابات.
ولهذا ليست صدفة أن تنهض الصين بلا ديمقراطية، وأن نتعثر نحن تحت شعارها.
هناك تُشيّد المصانع وتُطلق الأقمار الصناعية، وهنا نُشيّد الأحزاب ونُطلق البيانات النارية. هناك يصنعون الغد، وهنا نتقاتل على فتات الأمس.
وخلاصة القول:
إن الديمقراطية ليست مقدسة، ولا هي الوصفة السحرية لنهضة الشعوب.
قد تصلح لقوم، لكنها عندنا لا تلد إلا الفوضى.
العبرة ليست بعدد الأحزاب ولا بعدد صناديق الاقتراع، بل بوجود حكم عادل قوي، يصون الأوطان ويُبقي الشعوب مشغولة بالبناء لا بالاقتتال.
وفي النهاية: في الصين حزب واحد.. وعندنا ألف شيطان.




