مقالات

كيف يموت الفقير

كيف يموت الفقير

آيسك نيوز.. كيف يعيش الفقير؟ الكل يعرف، إلا بعض الأغنياء الذين لم يروا في زمانهم فقيرا، فهم لا يعرفون لا كيف يعيش ولا كيف يموت، لا بل لا يعرفون أن هناك فقيرا، ربما سمعوا بذلك في بعض نشرات الأخبار أو بعض الروايات، لكن الموضوع لا يعنيهم وكأنها قصص من الخيال.
أما كيف يموت الفقير فالموضوع أصعب وأكثر ألما.
هل تعلم كم هو عدد الأشخاص الذين يموتون سنويا لأنه ليس معهم ثمن دواء؟ أو لأنه لا يستطيعون دفع تكاليف المستشفى؟
الفقير عليه أن يواجه المرض والموت دون دعم اجتماعي أو رعاية لائقة. يشعر بالخوف والعزلة والأسى أكثر من غيره. الأبشع من ذلك، أنه في معظم الأحيان لا يكون محترما ويشعر بالإهمال والحرمان من قبل أولئك الذين يجب عليهم الاعتناء به.
إذا استطاع دخول المستشفى ونجا من الموت على بابها، فلن يكون حظه هناك أفضل. المريض بالعموم يصبح رقما في المستشفى، فكيف إذا كان فقيرا؟ يصبح رقما بلا كرامة، لا شخصا يحمل تاريخا وقصصا وأحاسيس ومشاعر. عادة ما يكون في غرفة مزدحمة بالأسرّة وبالمرضى، لا تحافظ على الخصوصية، وفي بيئة قليلة النظافة وقليلة الاهتمام.
بالإضافة إلى هذا الحرمان، تبدو المشكلة أكبر عندما يتضح أن الفقير لا يتلقى علاجا سريعا وجيدا بينما الغني يحصل على ما هو بحاجة إليه بسرعة. الشفاء موجود لكنه محجوز! هل تعلم كم يتألم المريض الفقير؟ يتألم أضعاف ما يتألمه المريض الميسور. على الآم جسده يضاف الآم نفسه. ألم قاس هو الشعور بالذل وقلة الاهتمام. ألم عنيف هو الشعور بعدم المقدرة على شراء الشفاء. إنه ألم يحول العلاج إلى وجع، والراحة إلى تعب والشفاء إلى بلاء.
وأخيرا لا بد من ساعة الحسم. الموت.
كثيرون من الفقراء، لا بل معظمهم لا يريدون الموت في المستشفى. “خذوني إلى البيت، أريد أن أموت على فراشي”. هل المسألة عاطفية فقط؟ أم أن الفقراء بالعموم في المستشفيات يشعرون بغياب الرحمة والتفهم والاهتمام؟ أظن أنهم يتعرضون لسوء المعاملة، إذ لا مال يشفع بهم ولا سلطة تعينهم. اللاعدالة بين الطبقات الاجتماعية تلاحقهم حتى النفس الأخير. ساعة الموت تجعل من الفقير أكثر فقرا وأكثر بؤسا حيث يفتقد للعاطفة والمواساة والكرامة البشرية ويصبح كنفايات يجب التخلص منها بسرعة.
ليست المسألة متعلقة بمديري المستشفيات والأطباء والممرضين فقط، إنما هي مسألة اجتماعية ونتاج نظام اجتماعي واقتصادي سيء وغير عادل. لم أجد أبشع من التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في هذا العالم. لم افهم ولن أفهم ما دمت حيا وربما بعد الموت، لماذا يتقاضى الزعيم والحاكم وصاحب السلطة عشرات ألاف الدولارات شهريا فيما العامل العادي يتقاضى راتبا لا يمكّنه من شراء الطعم والشراب؟ علما أن العامل يتعم أكثر بكثير من الحاكم. هل يمكن أن يصبح يوما معاش الحكام الحد الأدنى الذي يقرّونه للأجور؟ هل يمكن ان يتمتع الفقير يوما ب واحد بالمئة مما يتمتع به الحاكم والمصرفي وأصحاب المال؟
في الواقع نحتاج إلى إعادة النظر في القيم الإنسانية والاجتماعية، ولا سيما في مسألة العدالة الاجتماعية.
وأخيرا، يسعدني أن أشاركك صديقي القارئ بشيء جميل: عرفت طبيبا يركع أمام فراش الفقير، يضمه إلى صدره ويقبله ويصلي معه. شيء مدهش ومؤثر، فيه شفاء رائع.
الشكر لكل مستشفى وطبيب وممرض يخدم الفقير كم يخدم الغني. الفقير ينعم عليك بمال الأرض الذي قد يسرق ويحرق وينهار، أما الفقير فينعم عليك بحب السماء الذي يدوم ويدوم، ويجعلك من مستوطني الملكوت.
الأب عبدو رعد – 18-11-2025.

اظهر المزيد

نهى عراقي

نهى عراقي ليسانس أداب وكاتبة وقصصية وشاعرة وكاتبة محتوى وأبلودر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى