السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية الفعليين
السلطان عبد الحميد الثاني آخر سلاطين الدولة العثمانية الفعليين
.
آيسك.. تولى الحكم لمدة 33 عاماً من 1876حتى 1909م حيث اتسمت فترة حكمه بأحداث جسام. فقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية في الدولة، واشتد تكالب الدول الاستعمارية لتتقاسم أجزاء الدولة العثمانية فاستولت فرنسا على تونس وبريطانيا على مصر وتآمر عليه الصهاينة لأنه رفض التنازل لهم عن شبر واحد من أرض فلسطين فأبعد عن العرش عام 1909م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية في قصر بكلر بكي حتى وفاته في 10 فبراير 1918م .
ولد السلطان عبد الحميد يوم الأربعاء : 16 شعبان 1258 هـ = 22 سبتمبر 1842م وهو ابن السلطان عبد المجيد الأول من زوجته الثالثة،( تري موج گان) من شركس أرمنيا. وكان أبوه أول سلطان عثماني يضفي على حركة التغريب في الدولة العثمانية صفة الرسمية، وعُرف عهده بعهد التنظيمات، الذي يعني تنظيم شئون الدولة وفق المنهج الغربي.
.
توفيت أمه (تري موج گان) عن عمر 33 عاماً من مرض السل وهو في الثامنة من عمره، فعُهد بعبد الحميد إلى زوجة أبيه “رحيمه پرستو” التي اعتنت بتربيته، وأولته محبتها. وكان معروفًا عنها أنّها شديدة التديُّن وكان السلطان عبد الحميد يقول عنها :”لو كانت والدتي حيَّة لما استطاعت أن ترعاني أكثر من رعايتها” . وقد منحها عند صعوده للعرش لقب “السلطانة الوالدة”.
.
كان السلطان عبد الحميد نجاراً ماهراً، وقد صنع معظم أثاثه بنفسه، وما زال هذا الأثاث موجود للمعاينة في قصري يلديز وبايلرباي في اسطنبول.
.
والسلطان عبد الحميد الثاني كان أيضاً مهتماً بالاوپرا، وكتب بنفسه أول ترجمة إلى اللغة التركية للعديد من الاوپرات الكلاسيكية، كما ألـَّف العديد من الاوپرات لكي تؤديها مزيكا همايون التي أسسها، كما استضاف فناني الاوپرا المشاهير من أرجاء أوروبا للأداء في دار الاوپرا في قصر يلدز، وكان قد قام بترميم دار الاوبرا تلك وجددها، وصـُوِّر فيها فيلم “حريم سواريه”، للمخرج التركي الإيطالي فرزان اوزپتك، والذي يبدأ بمشهد سينمائي تاريخي للسلطان عبد الحميد الثاني وهو يشاهد أوبرا فيها. وعلى العكس من الكثير من السلاطين العثمانيين، فقد سافر عبد الحميد الثاني إلى العديد من الدول الأجنبية. فقبل تسع سنوات من اعتلائه العرش، اصطحبه عمه السلطان عبد العزيز في زيارته إلى النمسا وفرنسا وإنگلترة في 1867.
.
درس السلطان عبد الحميد اللغة التركية والفارسية والعربية والفرنسية، ودرس الكثير من كتب الأدب والدواوين الشعرية والتاريخ والموسيقى والعلوم العسكرية والسياسية.
.
توفي والده وعمره 18 عامًا، وصار ولي عهد ثان لعمه “عبد العزيز”، الذي تابع نهج أخيه في مسيرة التغريب والتحديث، واستمر في الخلافة 15 عاما شاركه فيها السلطان عبد الحميد في بعض سياحته ورحلاته إلى أوروبا ومصر.
.
التقى السلطان عبد الحميد في خلافة عمه بعدد من ملوك العالم الذين زاروا استانبول. وعُرف عنه مزاولة الرياضة وركوب الخيل والمحافظة على العبادات والشعائر الإسلامية والبعد عن المسكرات والميل إلى العزلة، وكان والده يصفه بالشكاك الصامت.
.
قتل السلطان عبد العزيز في مؤامرة دبرها بعض رجال القصر، واعتلى العرش من بعده مراد الخامس شقيق السلطان عبد الحميد، ولكنه لم يمكث على العرش إلا 93 يومًا فقط، حيث تركه لإصابته باختلال عقلي.
.
■ تولي الخلافة
بويع عبد الحميد بالخلافة في 9شعبان 1293هـ = 31أغسطس 1876م، وكان في الرابعة والثلاثين من عمره، وهو الخليفة السابع والعشرون في الخلفاء العثمانيين، وتولَّى العرش مع اقتراب حرب عثمانية روسية جديدة، وظروف دولية معقدة، واضطرابات في بعض أجزاء الدولة، خاصة في البلقان.
.
اجتمعت الدول الكبرى في استانبول في “مؤتمر ترسخانة” في 5 ذي الحجة 1293هــ = 23ديسمبر 1876م، لمناقشة الحرب القادمة، وتزامن ذلك مع إعلان المشروطية الأولى (الدستور)، ثم افتتاح مجلس المبعوثان (النواب) المنتخب من الولايات العثمانية المختلفة، حيث بدأت الخطوات الحثيثة نحو النظام البرلماني. ومع دق طبول الحرب العثمانية الروسية سحبت الدول الكبرى سفراءها من استانبول، وتركت العثمانيين وحدهم أمام الروس.
.
وقعت الحرب في منتصف عام (1294 هـ = 1877م)، وعرفت بحرب 93، وتعد من كبرى حروب ذلك الوقت، ومني فيها العثمانيون بهزيمة كبيرة، واقترب الروس من استانبول لولا تكتل الدول الأوروبية ضد روسيا، وحضور الأسطول الإنجليزي إلى ميناء استانبول، وأُمليت على العثمانيين معاهدتي صلح هزليتين هما: آيا ستافانوس، وبرلين، اقتطعت فيهما بعض أراضي الدولة العثمانية، وفُرضت عليها غرامات باهظة، وهُجّر مليون مسلم بلغاري إلى استانبول.
.
■ تعطيل الدستور
شعر السلطان عبد الحميد بأنه أجبر على قرار الحرب بسبب ضغوط مدحت باشا -الصدر الأعظم – الذي حرّض طلبة العلوم الدينية العليا للقيام بمظاهرات تجبر السلطان على الحرب. تصاعد الرأي العام على إثر هذه المظاهرات داعياً إلى الحرب. رأى السلطان أن هناك قصورًا في الرأي العام ممثلاً في المجلس الذي دفع بالأمة إلى الحرب في غير وقتها وبدون استعداد لها أو حاجة إليها؛ لذلك قام بتعطيل الحياة النيابية إلى أجل غير مسمى في (9 صفر 1295 هـ = 13 فبراير 1878م)، واستمر هذا التعطيل مدة ثلاثين عاماً ونصف، بعد حياة نيابية استمرت عاماً واحدا.
.
والملاحظ أن السلطان لم يلغِ الدستور أو ينحيه، بل استمر نشر الدستور في النشرة السنوية للدولة طيلة 31 عاماً متوالية دون انقطاع، وإن كانت أحكامه لم تطبق. ولم يجتمع مجلس الأعيان، ولكنهم استمروا في تقاضي مرتباتهم بصورة رسمية مدى الحياة.. وعلى هذا الأساس فإن السلطان أدار دولته بصورة شخصية دون مجلس، في ظل دستور يمنع تدخل السلطان في شئون الحكومة؛ لهذا وسم السلطان بصفة المستبد والديكتاتور.
.
وقد استصوب السياسي الألماني بسمارك ما فعله السلطان عبد الحميد من حل مجلس المبعوثان (النواب)، وعلَّق عليه بقوله: “إن لم يكن قوام الدولة شعبًا واحدًا، فإن ضرر مجلسها يكون أكبر من نفعه”.
.
حكم السلطان عبد الحميد حكمًا فرديًا من مقر إقامته في قصر ييلذر، وربط جميع مؤسسات الإمبراطورية بشخصه، غير أنه لم يستعمل القوة القسرية في حكمه، حيث لم يتدخل الجيش في الشئون الداخلية، وإن اعتمد السلطان على تحريات الأمن التي قامت بالعديد من التجاوزات.
.
ويلاحظ أن السلطان عبد الحميد كان بعيدًا عن سفك الدماء أو أسلوب الاغتيالات وتصفية معارضيه، وكان لا يلجأ إلى عقوبة السجن إلا في القليل، ثم يغيرها بالنفي. ولم يصدّق خلال سلطته الطويلة إلا على خمس عقوبات إعدام فقط، وهي أقل عدد من عقوبات الإعدام في تاريخ تركيا كلها.





