حين تُباع العقول في أسواق الوهم
كتب عمرو دسوقي هريدي
في عالم يموج بالأحداث المتسارعة والتحولات العميقة، تواصل “وكالة إعلام بلا حدود ” مسيرتها المهنية لتكون منصة رصينة تعكس نبض الواقع بموضوعية ومصداقية. إذ تسعى الوكالة إلى تغطية القضايا العالمية، وتقديم التقارير والتحقيقات التي تمس المجتمع الدولي، بعيدًا عن كل ما يثير الفتن أو يزرع البلبلة. ومن هذا المنطلق، نضع بين أيديكم هذا التقرير، ليكون خطوة نحو التوعية وتعزيز الوعي المجتمعي بما يهم الإنسانية جمعاء. فدائما وكالة إعلام بلا حدود… عين على الحقيقة وصوت للمجتمع الدولي.
لم يعد الاستخفاف بعقول الناس مجرد سلوكٍ عابر على هامش المجتمع، بل صار ظاهرةً تهدد وعي الأفراد وتسرق ثقتهم. فقد امتلأت الساحة بمن يتصدرون المشهد زيفًا، يبيعون الوهم في قوالب براقة، ويتزينون بكلماتٍ منمقة وصورٍ مصطنعة، ليُظهروا أنفسهم في “الإصدارة” وكأنهم روّاد الحقيقة وحملة الرسالة.
إنها تجارة رائجة في زمنٍ صار فيه البريق أهم من الجوهر، حيث يُقدَّم الوهم كأنه حقيقة، ويُسوَّق الخداع على أنه نجاح. تراهم يتحدثون أمام الناس وكأنهم المصلحون، بينما حقيقتهم لا تتعدى كونها أوهامًا تُدار بخيوط رفيعة من تضليلٍ وتزييف.
وللأسف، يجد هؤلاء من يصفق لهم ويعيد نشر أكاذيبهم، إما بدافع الجهل أو بدافع الإعجاب الكاذب بمظاهر فارغة. وهكذا تتحول المنصات إلى مسارح للاستعراض، تُخدر العقول وتُفقد الناس القدرة على التمييز بين الصدق والزيف، بين العمل الحقيقي والشكل الخادع.
ويؤكد خبراء الاجتماع أنّ خطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها *تسحب المجتمع إلى حالة من “التبلد المعرفي”*، حيث يصبح الناس أسرى ما يُعرض أمامهم دون تفكير، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام الانقياد الأعمى والتأثير السلبي في القرارات المصيرية للأفراد.
وهنا لابد من التنويه: نحن لا نقصد بكلماتنا هذه شخصًا بعينه أو طرفًا محددًا، فالقضية أبعد وأوسع، وهي قائمة في المجتمع بذاته، تتكرر في وجوه متعددة وصور شتى، وكل ما نطرحه هو جرس إنذار يحذر من اتساع الدائرة أكثر فأكثر.
إن مواجهة هذه الظاهرة تبدأ من وعي المجتمع؛ فالناس هم السوق، وما دام هناك من يشتري الوهم، سيظل هناك من يبيعه. ولا بد للإعلام المسؤول، والمؤسسات التربوية، وكل صاحب قلم حر، أن يفضح هذه الوجوه المصطنعة، وأن يرفع الوعي بخطر الاستخفاف بالعقول.
فلم يعد غريبًا أن ترى رجلًا يتخفّى في صورة امرأة، يتلاعب بمشاعر الشباب بإغراءات سخيفة، طمعًا في كسبٍ رخيص أو شهرة زائفة، فيسقط في شباكه من غابت عنهم البصيرة، وصدقوا أن الصورة هي الحقيقة والصوت هو الصدق. ولم يعد عجيبًا أن يتصدر المشهد أشخاص يبيعون الوهم تحت مسمى “القدوة” أو “المؤثرين”، بينما حقيقتهم لا تحمل إلا الخواء.
الأخطر من ذلك أنّ الجمهور ـ في لحظة غياب وعي ـ ينطلق خلف هذه الأوهام بلا تفكير ولا إدراك، وكأن العقول أُغلقت والقلوب استسلمت لصوت الزيف. وهنا يتحول الإعلام الجديد من فرصة ذهبية إلى سلاحٍ يقتل القيم ويمزق الوعي الجمعي.
فالعقل أثمن ما يملك الإنسان، وإذا صار سلعة رخيصة في أسواق التضليل، فلن يبقى للمجتمع حصانة تحميه من الانهيار.
ويبقى السؤال الأهم للقارئ: هل نكون نحن جزءًا من تصفيقٍ أعمى يمدّ الوهم بالحياة، أم نصير حراسًا للوعي، نرفض التضليل وننصر الحقيقة؟





