نظرتان لا تلتقيان

نظرتان لا تلتقيان
بقلمي نرمين بهنسي
في زحام العلاقات وتداخل الأرواح، سنظل نُقابل بنظرتين لا تلتقيان أبدًا.
أيسك.. هناك من يراك هامشًا، مجرد شخص عابر لا يحمل في ذاكرته منك سوى ما نفعه. يراك وسيلة، لا غاية. وجودك أو غيابك لا يُحدث عنده فرقًا، لأنه ببساطة لا يرى فيك سوى ما يستطيع أخذه منك. هؤلاء لا يهتمون بك كإنسان، بل بما تمثله لهم من خدمة أو دعم أو لحظة مريحة في وقت تعبهم. وحين تنتهي حاجتهم، تختفي أنت من حساباتهم كما لو أنك لم تكن أبدًا.
وفي المقابل، هناك من يراك أمنية. يراك الجوهر في قلب الزحام، والنور في عتمة الروح. لا يحتاجك لشيء إلا لأنك “أنت”. وجودك وحده يكفي ليمنحه طمأنينة، صوتك كفيل بإعادة التوازن لأيامه، واهتمامك تفصيلة تُغيّر مزاجه بالكامل. هو لا يراك “وسيلة” بل “غاية” في حد ذاتك، لا يفتّش عن منفعة بقدر ما يبحث عن دفء المشاعر، وصدق الحضور.
وبين النظرتين، يقف الإنسان في حيرة: كيف يُقاس حُب الآخرين؟ وهل يُلام إن شعر بالنقص أمام من يتجاهله، حتى لو أحاطه آخرون بالمحبة؟ تلك المفارقة المؤلمة التي نعيشها جميعًا: أن نُهمَل ممن نريدهم، ونُحتضن ممن لا نشعر تجاههم بشيء.
لكن الحكمة تبدأ حين نتوقف عن السعي لإرضاء من لا يرون فينا إلا ظلًا. حين نفهم أن قيمتنا لا تُحدد من الخارج، بل من الداخل. أن الإنسان لا يُقاس بعدد من يحبونه، بل بمن يحبونه بصدق.
لا تحزن إن رآك أحدهم هامشًا، فربما لم يُخلق ليقرأ فصولك. ولا تُبالغ في الفرح إن رآك آخر أُمنية، فربما لم يُكتب له البقاء طويلًا. لكن كن دومًا على يقين: أنك تستحق أن تُحب لأنك “أنت”، لا لما تقدمه، ولا لما تملكه، بل لأنك إنسان له روح تستحق التقدير.
وفي نهاية الأمر، ستبقى نظرتان لا تلتقيان… وسرّ الحياة أن تعرف كيف ترى نفسك وسطهما.



